عندما نتوه وسط الزحام في هذه الحياة..ونُخطئ بكامل الإرادة..يبتعد عنّا الجميع.. حتى مُحبّو الله! فنصبح كالمشرّدين في هذه الدنيا..لا نجد صديقاً أو مُعيناً أو مُرشداً من الناس إلاّ نفسنا وشخصنا العميق الذي دفنّاه..ودفنّا معه حبّه لله..ثقته وإيمانه به. هذا الشخص الذي في العمق الداخلي يسكن. لكنه يرى النور..ويعرف أهمية النور وهباته. نراه يعود إلينا..ليخبرنا من جديد عن الشمس..الله الحيّ..الآب الأزلي. يسألنا..هل نراه؟ فيجيب الإنسان المتمرّد..الظالم الذي لا يرحم..والذي أحاط به الحزن، أو الفشل، أو الضيق والألم: ’لا..لا أراه. وكيف نراه وقد حجبت غيوم الدنيا وهمومها وجود الله وعطاياه..وشغلتْنا عنه حتى نسيناه‘.
لكن هبة الحياة الحقيقية..نسمة الروح..صوت الضمير..المحبة الأولى.. لا تتركنا لهذا الظلام. لقد سمعت الرب ناداها من وراء الغيوم. فسارعتْ إليه..فرحتْ به..ملّكته كلّ شيء. فصارت جميلة..حلوة..نقيّة.. صافية..عذبة به. فأدركتْ كم منحا الله من عطايا حتى تغدو بهذا الجمال كالطفل الوليد.
أما الألم..البُعد عن الله..الألم من جرّاء الخطيئة أو الخسارة..جعلنا نتذوّق طعم السواد. نراه يحيط بنا..نحسّه برعشة أيادينا..برجفة قلوبنا. وليس من يشجّعنا ويرحم ضعفنا إلاّ نسمة الروح التي تقول: ‘إنكم ما زلتم جميلين. الرب رآكم هناك..عندما أخطأتم، فتركتموه..وعندما سجنتموه في سجن المصالح، والرغبات. لكنه أحبّ أن يشارككم ألمكم. سمعتُ صوت البكاء..فعرفت أن الرب قد غاب عنكم، ولم تعودوا تميّزون وجوده. لكني ما زلت أُصلّي من أجلكم..فإن الروح نشيط، يشفع بأنّاتٍ لا توصَف. فاستجابني الرب..وافتقدكم. لكن هذه المرة بتجربة..كي يتمجّد اسمه فيكم..فترَون أعمال يديه، وتؤمنوا. لكن التجربة زادت ألمكم وسواد حياتكم. فرغم الألم..والضعف..والحزن..لم تختاروه..فابتعدتم. أما أنا فما زلت أراكم جميلين’.
ثم تعود النفس القاسية لتشكي دائماً ظلم الأيام لها..وظلم البشر. كم نُؤذي بعضنا بعضاً! كم نُحطّم..نُكسّر..نُشوّه..ثم نركض مرات ومرات لنشكو للرب: "انظر ماذا فعلوا بي!". ولكن..هل نُسارع إليه كي نشكو أنفسنا، قائلين: "انظر ماذا فعلتُ أنا بهم"؟!. أما الرب فلا يُجيب دائماً. لكنه يرى كل شيء. يعرف أننا بِتنا في العراء عندما تركناه..أننا نرتجف برداً، لأن دفئه قد انحجب عنّا. لا حاجة لنا للشكوى. هو يرى كل شيء. يرى سقطتنا..ويعرف متى وأين..ولماذا..وكيف سقطنا. أما هو فلمحبّته الكاملة يدعونا للعودة من جديد إليه.
أما الإنسان المتألّم لا يثق أن هناك أحد في العالم يرثي لحاله..حتى اخوته في الإيمان.. حتى أبناء كنيسة الله. تُرى..هل يتألّمون معه..هل يُشاركونه لوعته..هل يفتقدونه؟! ودائماً تُجيب المحبة الأولى: ‘إنهم ما زالوا يُحبّونك رغم الخطيئة التي شوّهت جمالك. رأوا أعمالك السابقة..سمعوا كلامك. وما زالت أحاديثك المحترقة تُذكّرهم كم كنتَ محبّاً لله. فعُدْ إليه’. لكنه يتساءل: ‘ ربما ينتظرني البشر أن أعود. ربما أمي..أخي.. أختي..وصديقي يرثون لحالي. لكن..هل ما زال الله يُحبّني رغم كل شروري؟ وكيف سأعود إليه؟ بخطاياي..بزيف قلبي..أم بكذبي وإداناتي؟’.
فلنُسرعْ في العودة إلى كنيسة الله قبل أن يأتي المساء، وتكثر التجارب، ويعمّ الضيق، ويُميتنا الألم والحزن والبرد. الكنيسة هي البيت الأمين الذي نلتجئ إليه دائماً كحضن الأم…والذي يُدفئ، ويُشجّع، ويمنح الحنان والفرح