تأمل فى الله وخلاص الإنسان ( 1 )

تأمل فى الله وخلاص الإنسان

هذا التأمل مقسم الى أربع أجزاء

هذا الجزء 1

الله هو الكائن الذى كان الدائم إلى الأبد، هو القوة غير المفهومة منا نحن البشر، لأنه أكبر وأسمى من عقلنا، هو أعلى من إدراكنا المحدود، لأنه غير مخلوق ونحن مخلوقون، هو خلقنا بإمكانيات محدودة .
نحن نعرفه بعض المعرفة، من خلال تأمل مخلوقاته، ومن خلال تأمل كتابه المقدس، نعرفه بالإيمان بقدر ما يعلن لنا، نتمتع به من خلال أعمال حبه، أى عطاياه... وما سخر لنا من مخلوقات، نعرفه أكثر كلما أحببناه وكان لنا القلب النقى، دون أن ندركه تمام الإدراك لأنه أعلى من مداركنا .
فمثلاً الخراف تعرف الراعى وتميز صوته وتسير خلفه، ولكنها لا تعرف ما اسمه أو بلده أو نسبه، ولا تفكر فى من خلقه، والكلب يعرف من هم أصحابه، ويظهر لهم حبه ووفاءه، بتحريك ذيله وأفعال خاصة يجيدها، ويعرف الغريب ويهجم عليه بشراسة، هذه طبيعته، وإذا اقتربت من عصفور واقف على شباك مثلاً فإنه يطير فى الحال، لأنه قد استشعر الخطر ولاذ بالفرار، هكذا كل حيوان وطائر له عقل محدود، يكفيه ليمارس الغرض الذى خُلق لأجله إلى أن يموت ويفنى، ولكنه لا يعرف أكثر، ألم يقل الكتاب " الثور يعرف قانيه ( أى من يقتنيه ) ، والحمار معلف صاحبه" (إش1: 3) ، أى أن البهائم والطيور تفهم بعض الفهم، حسب طبيعة كل حيوان وطائر .
هكذا الإنسان وهو أرقى المخلوقات ذات الجسد له إمكانيات محدودة، عقله يعرف أشياء وأموراً أخرى لا يعرفها، لأنها أعلى وأسمى من إمكانيات عقله المحدود، وهناك قصة مشهورة عن رجل كان يمشى على شاطئ بحر، وهو يجهد فكره ويقول : كل شئ له من صنعه، النجار يصنع أشياء من الخشب، والحداد أشياء من الحديد، والله خلقنى وخلق هذا الكون ومافيه وخلق هذا البحر، فمن خلق الله ؟، لابد له من خالق، وأسئلة أخرى مثل ما شكله ؟ وأين يقيم ؟، وفيما هو مستغرق فى هذه الأفكار، لاحظ أن طفلاً صغيراً ينقل بكفيه ماء من البحر، إلى حفرة صنعها فى الرمل على الشاطئ، وهو مجتهد فى نقل الماء إلى الحفرة فسأله : ماذا تفعل يا حبيبـى ؟!، فرد الطفل : أريد أن أنقل البحر إلى هذه الحفرة، فأجابه الرجل : هذا مستحيل لأن البحر كبير جداً والحفرة صغيرة جداً، فرد الطفل قائلاً: وكيف أنت تفكر فى من خلق الله، وهو كبير جداً أكبر من البحر، وعقلك صغير جداً مثل الحفرة ؟!، ثم اختفى الطفل، وقد كان ملاكاً أرسله الله ليعلمه ويعلمنا هذا الدرس الهام، أن الله هو أعظم من عقولنا المحدودة القاصرة، "لأنه كما علت السماوات عن الأرض هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن أفكاركم " (إش55 : 9)، وهكذا الإنسان يمكنه أن يعيش سعيداً لو تذكر ضعفه الطبيعى وطلب من الله الحكمة والفهم والارشاد والمساعدة، وأطاع وخضع لأحكام الله وتدبيراته شاكراً له فى كل شئ، أما إذا اعتد بذاته وسلك بالكبرياء فانه يدمر ذاته، مثل شخص لديه جهاز كهربى مصمم على فولت 110 مثلاً اذا وصله بتيار 220 فولت فإن الجهاز يحترق فى الحال، وهذا الشخص هنا لا يلومن إلا نفسه، فى هذا قال القديس بولس الرسول"فإني أقول بالنعمة المعطاة لي لكل من هو بينكم أن لا يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي بل يرتئي إلى التعقل كما قسم الله لكل واحد مقداراً من الإيمان" (رو12 :3)، ولكن دائماً إلهنا القدير يمكنه أن يصلح الإنسان الذى يأتى إليه متضعاً تائباً، لإلهنا العظيم غير المحدود كل مجد وكرامة إلى الأبد آمين

BEETHOVEN

» تأمل فى الله وخلاص الإنسان (4)
» تأمل فى الله وخلاص الإنسان ( 3 )
» تأمل فى الله وخلاص الإنسان ( 2 )
» لماذا خلق الله الإنسان ؟
» تأمل حمل الله الذى يرفع خطية العالم